responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 418
الزَّمَانُ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ. أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ زَمَانٌ مِنَ الْأَزْمِنَةِ حَصَلَ فِيهِ قَوْمٌ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، أَوِ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَخْلُو زَمَانٌ مِنَ الْأَزْمِنَةِ عَنْ قَوْمٍ مَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ. لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ظَاهِرًا لِكُلِّ النَّاسِ أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ عَلَى الْحَقِّ، فَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى يُخْرِجُهُ عَنِ الْفَائِدَةِ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ أَيْضًا، لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ زَمَانٌ مَا فِي الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ حَصَلَ فِيهِ جَمْعٌ مَنِ الْمُحِقِّينَ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ. وَهُوَ أَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا خَلَا زَمَانٌ عَنْ قَوْمٍ مِنَ الْمُحِقِّينَ وَأَنَّ إِجْمَاعَهُمْ حُجَّةٌ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ سَائِرِ الْأُمَمِ حجة.

[سورة الأعراف (7) : الآيات 182 الى 183]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ حَالَ الْأُمَّةِ الْهَادِيَةَ الْعَادِلَةَ، أَعَادَ ذِكْرَ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّه تَعَالَى، وَمَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْوَعِيدِ، فَقَالَ: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْمُكَذِّبِينَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: الْمُرَادُ أَهْلُ مَكَّةَ، وَهُوَ بَعِيدٌ، لِأَنَّ صِفَةَ الْعُمُومِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ، إِلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ فَالِاسْتِدْرَاجُ الِاسْتِفْعَالُ مِنَ الدَّرَجَةِ بِمَعْنَى الِاسْتِصْعَادِ أَوِ الِاسْتِنْزَالِ، دَرَجَةً بَعْدَ دَرَجَةٍ، وَمِنْهُ دَرَجَ الصَّبِيُّ إِذَا قَارَبَ بَيْنَ خُطَاهُ، وَأَدْرَجَ الْكِتَابَ طَوَاهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَدَرَجَ الْقَوْمُ، مَاتَ بَعْضُهُمْ عَقِيبَ بَعْضِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ مَأْخُوذٌ مِنَ الدَّرْجِ وَهُوَ لف الشيء وطيه جزأ فجزأ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَالْمَعْنَى سَنُقَرِّبُهُمْ إِلَى مَا يُهْلِكُهُمْ، وَنُضَاعِفُ عِقَابَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ مَا يُرَادُ بِهِمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كُلَّمَا أَتَوْا بِجُرْمٍ أَوْ أَقْدَمُوا عَلَى ذَنْبٍ فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ النِّعْمَةِ وَالْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا، فَيَزْدَادُونَ بَطَرًا وَانْهِمَاكًا فِي الْفَسَادِ وَتَمَادِيًا فِي الْغَيِّ، وَيَتَدَرَّجُونَ فِي الْمَعَاصِي بِسَبَبِ تَرَادُفِ تِلْكَ النِّعَمِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُمُ اللَّه دُفْعَةً وَاحِدَةً عَلَى غِرَّتِهِمْ أَغْفَلَ مَا يَكُونُ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا حُمِلَ إِلَيْهِ كُنُوزُ كِسْرَى: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَكُونَ مُسْتَدْرَجًا فَإِنِّي سَمِعْتُكَ تَقُولُ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ الْإِمْلَاءُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْهَالُ وَإِطَالَةُ الْمُدَّةِ وَنَقِيضُهُ الْإِعْجَالُ وَالْمَلِيُّ زَمَانٌ طَوِيلٌ مِنَ الدَّهْرِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [مَرْيَمَ: 46] أَيْ طَوِيلًا. وَيُقَالُ مَلْوَةٌ وَمُلْوَةٌ وَمِلَاوَةٌ مِنَ الدَّهْرِ أَيْ زَمَانٌ طَوِيلٌ، فَمَعْنَى وَأُمْلِي لَهُمْ أي أمهلهم وأطيل لهم مدة عمر هم لِيَتَمَادُوا فِي الْمَعَاصِي وَلَا أُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لِيُقْلِعُوا عَنْهَا بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ. وَقَوْلُهُ: إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ إِنَّ مَكْرِي شَدِيدٌ، وَالْمَتِينُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ هُوَ الْقَوِيُّ يُقَالُ مَتُنَ مَتَانَةً.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا احْتَجُّوا فِي مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ الِاسْتِدْرَاجُ وَالْإِمْلَاءُ وَالْكَيْدُ الْمَتِينُ، وَكُلُّهَا تَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ بِالْعَبْدِ مَا يسوقه إلى الكفر والعبد عَنِ اللَّه تَعَالَى، وَذَلِكَ ضِدُّ مَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ.
أَجَابَ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ، بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الِاسْتِدْرَاجِ، أَنَّهُ تَعَالَى اسْتَدْرَجَهُمْ إِلَى الْعُقُوبَاتِ حَتَّى يَقَعُوا فِيهَا مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ إِلَى ذَلِكَ حَتَّى يَقَعُوا فِيهِ بَغْتَةً، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا كَالْقَتْلِ وَالِاسْتِئْصَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَذَابَ الْآخِرَةِ. قَالَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُجْبِرَةِ الْمُرَادُ: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. قَالَ: وَذَلِكَ فَاسِدٌ، لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَ بِتَقَدُّمِ كُفْرِهِمْ، فَالَّذِي يَسْتَدْرِجُهُمْ إِلَيْهِ فِعْلٌ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 418
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست